في
الأربعاء 22 يناير 2025

جديد المقالات

09-02-2010 01:37

ولاة الأمر والحفاظ على هويتنا الثقا
جريدة الجزيرة
التاريخ 11-02-2009
رقم العدد 13549
التفاصيل
ولاة الأمر والحفاظ على هويتنا الثقافية
د. عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز السبيعي



يمرُّ العالم كلُّه اليوم بمشكلة كبيرة تتعلق بالهوية؛ فقد أوجدت العولمة ثقافة عالمية تغزو كل أمة وكل مجتمع، وتُهدِّد هويته تهديداً كبيراً، لدرجة أفزعت دولاً كبرى مثل فرنسا وألمانيا اللتين تشكوان من خطورة ثقافة العولمة على الهوية الثقافية الخاصة بكل منهما.. وإذا كانت هذه هي حال مثل هذه الدول فما بالنا بالهوية الثقافية للأمة العربية والإسلامية التي تعصف بها الهجمات الضارية والحروب الشرسة في كل مجال، وعلى كافة الصعد؟!

ولا شك أن أي مجتمع عربي الآن لا بد أن يكون له دوره الحيوي الفاعل في الحفاظ على ثوابت الهوية؛ حيث إنَّ المهمة الأساسية التي تتحدانا اليوم هي إصلاح العقول وإعادة صياغة وتشكيل شخصية الإنسان العربي المسلم؛ لتنهض على أسس دينية وقِيَمِيَّة وحضارية حقيقية، وهذا يتطلب إصلاح مجالَي الثقافة والإعلام والتربية والتعليم إصلاحاً ينبع من حاجاتنا الحقيقية، بعد دراسة واستيعاب حجم المشاكل التي يعاني منها التعليم لدينا، وتبني استراتيجية شاملة متكاملة تحقق الغايات السامية التي نسعى إليها.

ولقد أدرك سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله تعالى - أهمية هذا الأمر، وعظم المسؤولية تجاه أبناء هذا الوطن الغالي وأجياله الجديدة؛ فأخذ على عاتقه مشروع تطوير التعليم العام، في سبيل الحفاظ على الهوية الثقافية، فقال - حفظه الله - في هذا الشأن: (إنَّ التعليم في المملكة العربية السعودية يعدُّ نموذجاً متميزاً وركيزة رئيسية للاستثمار والتنمية، والأجيال القادمة هم الثروة الحقيقية، والاهتمام بهم هدف أساس...). وقد جاء خطابه - أيده الله - نبراساً يحتذى، يرسم الطريق لمن أراد الإصلاح، والحفاظ على الهوية العربية الإسلامية من خلال منظومة متكاملة من التربية والتعليم، والثقافة والإعلام بهدف غرس القيم وبناء الوعي، وصياغة الأجيال الجديدة، وتشكيل ميولها واتجاهاتها وفقاً للقيم والمبادئ الإسلامية الخالدة.. وفي كلمة مماثلة لحضرة سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، تنمُّ عن مدى الاهتمام باستمرارية حركة تطوير التعليم ومراجعة مناهجه الدراسية، واهتمامه بالهوية الثقافية المميزة للمجتمع السعودي, تحدث - حفظه الله - قائلاً: (... حيث إنَّ المملكة جزء من هذا العالم، ولها مشاركة فعَّالة في صنع القرارات الدولية؛ فإنها سوف تستمر في حركة تطوير التعليم ومراجعة مناهجه الدراسية وتطويرها من وقت لآخر بما يتفق وحاجة المجتمع، وبما يحفظ لهذه الأمة عقيدتها ومقوماتها الأساسية...). ولقد هدف مشروع الملك عبدالله - حفظه الله - إلى عدة أمور، أشير هنا إلى أبرزها:

1 - تطوير المناهج التعليمية بمفهومها الشامل.

2 - إعادة تأهيل المعلمين والمعلمات.

3 - تحسين البيئة التعليمية وتأهيلها وتهيئتها لإدماج التقنية والنموذج الرقمي للمنهج؛ لتكون بيئة الفصل والمدرسة بيئة محفزة للتعلّم من أجل:

4 - تحقيق مستوى أعلى من التحصيل والتدريب.

5 - تعزيز القدرات الذاتية والمهارية والإبداعية لدى الطلاب.

6 - تنمية المواهب والهوايات.

7 - إشباع الرغبات النفسية لدى الطلاب والطالبات.

8 - تعميق المفاهيم والروابط الوطنيّة والاجتماعيّة من خلال الأنشطة غير الصفية بمختلف أنواعها.

وليست عملية الحفاظ على الهوية مقتصرة على التعليم قبل الجامعي فقط، بل هي عملية ملحة وحيوية في التعليم الجامعي كذلك، والحقيقة أن المتأمل في تعليمنا العالي يجد أنه يقوم على أسس قوية متينة وركائز سليمة راسخة تسعى لتحقيق هذا المطلب ضمن الأهداف والغايات العليا للمجتمع، وتعمل وزارة التعليم العالي ليل نهار بقيادة معالي أستاذنا الأستاذ الدكتور خالد بن محمد العنقري على تفعيل وتحقيق هذه الأهداف، بمشاركة زملائه أصحاب المعالي مديري الجامعات، ومن خلال عملي - وقبل ذلك من خلال دراستي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - وقربي من معالي شيخنا الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل مدير جامعة الإمام ومعايشتي له في مهام كثيرة، وجدت العمل الدؤوب المخلص القائم على منهج قويم حكيم، ينهض على منهجية علمية واضحة، ويؤسس على دعائم قوية راسخة مستقاة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ويتمتع برؤية فكرية ثاقبة تعي الحاضر بكل ملابساته ودقائق تفصيلاته، وتستلهم الماضي بكل تراثه وزخمه وأمجاده، وتستشرف المستقبل بكل آماله وتطلعاته.. واضعة في الحسبان ما يجري على الساحة الدولية من تغيرات جذرية تؤثر بشدة في كل المجتمعات المعاصرة، ولاسيما في المجتمعات النامية، والدول العربية من بينها.. الأمر الذي يفرض علينا السير وفق خطة مُحْكمة، وبحسب آليات مرحلية محددة لمواكبة المتغيرات العالمية الحادثة، ومجاراة ما يستجد من أحداث وتطورات، وفي نفس الوقت نحافظ على الهوية العربية الإسلامية للأمة والمجتمع، ونحمي مكتسباته ومقدراته من الضياع والاستغلال.

وفي تقديري أنه من الضروري للغاية قيام المجتمعات العربية بما يأتي للحفاظ على هويتها:

- وضع عقد أو ميثاق اجتماعي شامل متكامل يتفق عليه الجميع، ويرسي سياسة تعليمية وإعلامية وثقافية واضحة ومحددة وراسخة تحقِّق مصالح المجتمعات العربية، وتحفظ هويتها، وتدعم ثقافتها بشكل قوي يساعدها في صد طوفان الغزو الفكري والثقافي الشرس الذي نتعرض له.

- عدم ترك مؤسسات التعليم والإعلام والثقافة والتوجيه في أيدي المؤسسات الرسمية فقط، بل تكوين هيئات مدنية أهلية مستقلة تراقب عمل وزارات التعليم والثقافة والإعلام في جميع المراحل؛ لضمان الالتزام بتنفيذ العقد أو الميثاق الاجتماعي المتفق عليه، بما يحفظ هوية الأمة، ويحمي ثقافتها وخصوصيتها من الذوبان والتحلل.

- عدم السماح مطلقا لأية قوى خارجية..!! مهما كانت بالتدخل في مسيرة التعليم والإعلام بأي شكل من الأشكال.

- انتقاء المعلمين الأكفاء، وتوفير الأوضاع المادية والمعنوية الكريمة لكل معلم؛ منعاً لتعريضه للامتهان؛ لأن المعلم هو مصدر القيم بالنسبة إلى طلابه، وبالتالي ينبغي الحفاظ على هيبته واحترامه في نفوس جميع أبناء المجتمع.

- الضغط بكافة الطرق والوسائل السياسية على وسائل الإعلام العربية المختلفة الرسمية والخاصة؛ لتساهم في الحفاظ على هوية وأخلاق المجتمع، وألا تكون خنجراً مسموماً تطعن به الأمة، أو معول هدم يهدم ويدمر ما يرسخه التعليم في نفوس الناشئة.

- تفعيل منظمات ومؤسسات المجتمع المدني، واحترام كلمتها ورأيها في كافة القضايا التي تهمُّ المجتمع.

- الإشراف الحقيقي على كل الأنشطة الإعلامية، وإيجاد القوانين والصيغ القانونية التي تمكّن المجتمع بكل أطيافه وشرائحه وأبنائه أفراداً وجماعات من ملاحقة أي شخص أو مؤسسة تنتهك الميثاق الاجتماعي الشامل المتكامل الذي يتفق عليه الجميع، وتعرض هوية المجتمع للخطر.

- الحرص على توفير أجواء الحوار المجتمعي الهادف البنَّاء بين كافة أبناء المجتمع من كافة الأطياف والمهن والحرف والاتجاهات الفكرية والمشارب الثقافية.

وختاماً نقول لولي أمرنا: سِرْ يا ملك القلوب.. سِرْ يا ملك الرحمة والإنسانية... سِرْ يا خادم الحرمين الشريفين - أيدك الله - سِرْ على بركة الله والشعب السعودي كله من ورائك.

- عميد كلية المجتمع بشقراء، عضو مجلس جامعة الإمام محمد بن سعود

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 853


خدمات المحتوى
  • مواقع النشر :
  • أضف محتوى في Digg
  • أضف محتوى في del.icio.us
  • أضف محتوى في StumbleUpon
  • أضف محتوى في Google


د. عبد الله بن محمد بن عبد العزيز السبيعي
تقييم
1.86/10 (13 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.

الرئيسية |الأخبار |المقالات |راسلنا | للأعلى
get firefox
Copyright © 2025 mkhtlfat.net - All rights reserved