في
الأربعاء 22 يناير 2025

منشورات صحفية
مقال منشور
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
جريدة الجزيرة
التاريخ 03-05-2010
رقم العدد 13672
التفاصيل
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وأثرها المعاصر المتميز في الحراك الاجتماعي
د. عبد الله بن محمد السبيعي



شهدت المجتمعات العربية والإسلامية، ومن بينها بالطبع المجتمع السعودي، تغيرات كبيرة - وربما جذرية - خلال الخمسين سنة الأخيرة، وساهم في ذلك مجموعة كبيرة من العوامل، كان على رأسها الجامعات؛ فقد لعب التعليم الجامعي دورا بارزا في الحراك الاجتماعي والحوار المجتمعي، وتعد الجامعات إضافة إلى دورها المحوري داخل مجتمعها إحدى أدوات القوة الناعمة التي تمتلكها أية دولة، لاسيما لو امتد أثرها خارج الدولة إلى دول ومجتمعات أخرى، حيث تنقل الجامعة ثقافة مجتمعها وأنماطه القيمية وأنساقه الفكرية إلى آفاق رحبة بعيدة تعود بالنفع على المجتمع الأم في صور مباشرة وغير مباشرة.

والمتأمل في واقع الجامعات السعودية يجد جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية نموذجا فذا في هذا المجال؛ ففضلا عن دورها الضخم على الساحة السعودية نجد لها زخما كبيرا في الأوساط الإسلامية على مستوى دول العالم الإسلامي كافة، فهي تعمل في صمت وتؤدة لنشر ثقافة الوسطية والاعتدال والتسامح، وهي ثقافة رخيَّة نديَّة تنبثق من أعماق الحضارة الإسلامية الخالدة، وعقيدة التوحيد الخالصة، وشريعة الإسلام السمحاء التي أرسلها الله تعالى رحمة للعالمين، وتؤصل للقيم الإسلامية العظيمة، وتدعو للفضائل السامية والمبادئ النبيلة... ومن هنا اكتسبت شهرة عالمية كبيرة، وحظيت بمكانة مرموقة على المستويين الشعبي والرسمي.

إن السياسة المعلنة وغير المعلنة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية هي الدعوة إلى الوسطية ومحاربة الغلو والتطرف بشتى صوره وأشكاله؛ - لأنه فكر ضال منحرف بعيد كل البعد عن سماحة الإسلام وسمو تعاليمه -، وإلى جانب دور جامعة الإمام في تعليم الطلاب العلوم الشرعية المختلفة وغيرها، وما تبذله من جهود جبارة لتحصين المجتمع ضد فكر الغلو والتطرف ودعاته، نراها باستمرار- وخصوصاً في السنوات الأخيرة تحرص كل الحرص على النهوض بمسؤولياتها على أعلى درجة من الإتقان والتميز والرقي، ومن هنا أنشئت عمادة التقويم والجودة وفق أحدث المعايير العالمية في المجال الأكاديمي، وهناك حاجة جادة لعمادة خاصة تعنى بالتطوير الجامعي... وهذه الحاجة يؤيدها في اعتقادي الكثيرون؛ بسبب الحاجة الحقيقية كما سأوضح ذلك بعد قليل، ولا يخفى على حصيف الفارق بين التطوير والتقويم، فبينهما معنى دقيق يدركه أولو الألباب، وأبين ذلك في عجالة على النحو التالي:

التقويم في اللغة يعني تعديل المعوَجّ، وإزالة الاعوجاج كتقويم الرمح، كما يعني إعطاء القيمة المادية ثمنا أو سعرا، جاء في معاجم اللغة: قوَّم الشيءَ: ثقَّفه وعدَّله، أي جعله يستقيم ويعتدل، وقوَّم المُعوجّ: أي عدَّله وأزال عِوَجه، وقوَّم السِّلعة: أي سَعَّرها و قدَّر ثمنها، وعلى هذا يكون معنى التقويم: التعديل، والتقدير، أي إعطاء القيمة، فالتقويم هو تحديد مدى قيمة شيء معين أو حدث معين، ويمكن تحديد معنى التقويم في الاصطلاح بأنه «العملية التي يقوم بها فرد أو جماعة لمعرفة ما يتضمنه أي عمل من الأعمال من نقاط القوة ونقاط الضعف، ومن عوامل النجاح أو الفشل؛ بغية تحقيق الغايات المنشودة منه على أحسن وجه ممكن».

أما التطوير فيعني في اللغة: التغيير أو التحويل من طور إلى طور، ومعناه في الاصطلاح: «تلك العمليات التي يُعنى بها الارتقاء والتحسين المستمر وفق معايير علمية معينة» ويمكن أن نقول بوجه عام إن التطوير هو: التغيير في نمط من الأنماط من الحالة القائمة للأحسن والأكمل والأحدث، ويتم ذلك من خلال رصد الواقع، ورسم معالم المستقبل والبناء التدريجي خلالهما، وفق خطة متجددة، تنطلق من الواقع وتتكئ على الإمكانات والظروف والدراسات المقدمة من أهل الاختصاص..

وهناك أربع مراحل في برنامج أي عملية تطوير، هي:

1 - مرحلة التشخيص: ويتم خلال هذه المرحلة التعرف على الاختلاف بين النتائج الفعلية المتحققة والنتائج المرغوبة.

2 - مرحلة التخطيط: ويتم فيها رسم خطط التطوير المأمول تحقيقها، وتحديد الآليات والإستراتيجيات الملائمة لتحقيق الأهداف المطلوب إنجازها.

3 - مرحلة التنفيذ: وتتضمن ترجمة وتحويل الخطة النظرية إلى فعل وعمل ملموس في مدة زمنية محددة.

4 - مرحلة التقويم: وهذه المرحلة ستوكل مهماتها إلى عمادة التقويم والجودة، وهدفها مقارنة الأهداف الموضوعة بالنتائج الفعلية التي تم تحقيقها، وتشخيص أسباب ومصادر القصور أو الانحراف عن تحقيق كامل أهداف الخطة.

ويمكن تلخيص الأهداف التي ستسعى عمادة التطوير الجامعي إلى تحقيقها فيما يلي:

1 - القيام بالدراسات المستمرة لنمو الجامعة واتساع دورها والفرص المحيطة بها.

2 - تطوير الأساليب الإدارية في الجامعة، وتحسين أنماط علاجها للمشاكل التي تواجهها.

3 - العمل على زيادة الفاعلية لدى جميع منسوبي الجامعة، وتحسين مقدرتهم الذاتية لرفع جودة الأداء وتحقيق انضباطهم الذاتي.

4 - إعداد قيادات وكوادر جديدة تكون قادرة على الإبداع ومرغبة فيه.

5 - رفع كفاءة الهياكل الإدارية في الجامعة، وزيادة قدراتها على العمل والإنتاج.

6 - ترسيخ المناخ الجامعي الإيجابي المحفز للإتقان والتطوير والإبداع.

لقد أدركت قيادة جامعة الإمام بوعي شديد أن التطوير في معظم نواحي الحياة ومجالاتها المختلفة لاسيما تطوير التعليم عموما والتعليم الجامعي خصوصا - أصبح ضرورة ماسة في هذا العصر؛ من أجل تحقيق حياة عصرية وحيوية تهيئ المجتمع لمواكبة المتغيرات بصورة فاعلة وإيجابية، بعيدا عن الانفعال والتشنج، أو الانغلاق والتعصب؛ ذلك أن التعليم هو البوابة الأولى للتطوير والتغيير، والتهيئة للغد المرتقب.

في الحقيقة لم يعد التعليم فقط وتزويد المجتمع بالخريجين الجدد هو الهدف الوحيد الذي تسعى جامعة الإمام إلى تحقيقه، بل هناك أهداف جليلة أخرى لا تقل أهمية عن هذا الهدف، ومن ذلك دور جامعة الإمام مثلا في نشر الإسلام في بقاع الأرض، والدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، وحماية عقيدة التوحيد، وتجديد الخطاب الدعوي، ونشر الوسطية والاعتدال، ومواجهة أفكار الفئة الضالة البعيدة عن الإسلام، وبيان مدى خطورتها على الشباب وعلى المجتمع وعلى الإسلام ذاته، وتحصين الأمة الإسلامية ضد كل ما يهدد دينها وهويتها وتميزها الثقافي، وصياغة آلية جديدة للتعايش الحضاري مع الآخرين فوق هذا الكوكب في سلام ووئام، مع الاعتزاز الكامل بالهوية العربية الإسلامية، والتمسك بها، والحفاظ الشديد عليها من الذوبان والتحلل... وغير ذلك من القضايا المصيرية التي تقض مضاجع الأمم والمجتمعات في هذا العصر الشائك المعقد كثير التحديات!!!

وفي الواقع إن الرجل الذي يسعى جهده لتحقيق كل هذه الأهداف الجليلة، وفطن إلى هذا الفرق الطفيف الدقيق بين التقويم والتطوير ليستحق كل الاحترام والتقدير، لاسيما وأنه يجتهد في ترجمة هذا الوعي العميق وتجسيده على أرض الواقع... وهذه الدقة البالغة تعني أن هناك سعيا دائبا يشكر...، وجهدا حثيثا يبذل...، وعينا ساهرة على مصلحة جامعة الإمام لتنهض بدورها المتميز في خدمة دينها ومجتمعها ووطنها وأمتها... عينا لا تدخر جهدا ولا وسعا في سبيل رفعة شأن جامعة الإمام وتطوير مستواها، ولا غرابة إذن أن تحظى هذه الجامعة العريقة بنظرة الإجلال والتقدير التي نلاحظها في بعض دول العالم التي نقوم بزيارتها أنا وزملائي من قِبَلِ الجامعة لإنجاز المهام المختلفة سواء أكانت أكاديمية أو إدارية، والحقيقة أن ما نجده من مكانة علمية مرموقة لجامعة الإمام لأمر يبعث على الفخر والاعتزاز، فهذه الجامعة بحق تعد وسام شرف على صدر كل سعودي يتعامل مع الأوساط الجامعية داخل وخارج المملكة، فبارك الله في هذه الجامعة، وفي القائمين عليها، لاسيما قيادتها الحكيمة التي لها بعد الله تعالى الفضل الأكبر في وصول الجامعة إلى ما وصلت إليه، ويعد ذلك دليلا على حسن اختيار ولاة الأمر - حفظهم الله - للمسؤولين في المواقع المختلفة.

وفي الواقع تضرب لنا جامعة الإمام المثل الرائع من آن لآخر في الدقة والتنظيم والفاعلية، والعمل وفق منظومة صارمة من معايير الجودة كانت - بعد الله تعالى - وراء ما نراه من نهضة شاملة في الجامعة نلمسها في دورها الجلي في التربية والتعليم والتثقيف... وكذلك فيما نشاهده من دورها المجتمعي البارز الذي يعمل وفق خطة راسخة تؤسس لقيم راشدة قوامها الوسطية والاعتدال والبعد عن الغلو والتطرف. وإن المتابع لجهود جامعة الإمام على كافة الصُّعُد لا يسعه إلا أن يشهد لها بالتميز والرقي؛ الأمر الذي يدفعنا إلى توجيه كل الشكر لمعالي مدير الجامعة، وفريق عمله، وكافة منسوبي الجامعة في كل المواقع.

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.

الرئيسية |الأخبار |المقالات |راسلنا | للأعلى
get firefox
Copyright © 2025 mkhtlfat.net - All rights reserved